الرياضات الإلكترونية والهواتف الذكية: مستقبل واعد تقوده القارة الآسيوية
حينما نتحدث عن مجال ألعاب الفيديو التنافسية والرياضات الإلكترونية، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان مباشرة هي منصات الألعاب المنزلية من حواسب، أجهزة “بلايستيشن” و “أكسبوكس”، إلا أنه وعلى الرغم من الحجم الهائل للمنافسات التي يشارك بها ملايين اللاعبين سنوياً، فإن تلك الأجهزة لا تروي الحكاية كاملة
منذ نشأة مفهوم الرياضات الإلكترونية، شهدت منافسات ألعاب الفيديو شهرة واسعة غير مسبوقة اجتاحت الكرة الأرضية مستفيدة من سحر الإنترنت والتواصل الاجتماعي، لتصبح بذلك هذه البطولات التي اعتاد المحترفون إقامتها في أماكن مغلقة رياضات يتابعها الملايين عبر الإنترنت لتتحول إلى نشاط اجتماعي يستطيع الجميع المشاركة به. رؤية استادات بأكملها تعج بالجماهير القادمين لرؤية محترفيهم المفضلين في بطولات العالم كان حلم قد تحقق بالنسبة لكثيرين، إلا أن جائحة COVID-19 الطبية قد أجبرت الجميع للعودة خطوة إلى الوراء، وذلك مع إلغاء العديد من الفعاليات وتحويل أخرى للعب عن بعد.
على الرغم من إغلاق مقاهي الإنترنت ومراكز اللعب، إيقاف البطولات وفعاليات تجمع المحترفين، إلا أن فايروس “كورونا” قد أثبت كونه سيفاً ذو حدين. بفضل قوانين الحظر المنزلي المطبقة في جميع أنحاء العالم، فإن هواية ألعاب الفيديو قد أصبحت “نشاطاً مسؤولاً” يقوم به الفرد لمساعدة مجتمعه، مما اجتذب العديد من المعجبين الجدد والذين وجدوا في التنافس عبر الإنترنت وسيلة مفيدة للترفيه عن النفس، كما وشهدنا ارتفاعاً قياسياً في عدد مشاهدات محتويات ألعاب الفيديو والبث المباشر.
هناك عائق وحيد لهؤلاء المعجبين الجدد على الرغم من ذلك، ألا وهو عدم توافر المنصة المناسبة (Consoles) أو ضعفها (PC)، وهما أمران لمع من خلالهما نجم جديد في سماء ألعاب الفيديو. ما هو الجهاز المتوافر لدى كل شخص، وقوي بما فيه الكفاية للعب أبرز الألعاب التنافسية؟ إن تبادرت الهواتف الذكية إلى مخيلتك، فأنت على صواب.
مع تقدم تقنيات الهواتف الذكية ولحاقها بالمنصات المنزلية والحواسب، بدأت الرياضات الإلكترونية على هذه الأجهزة المحمولة تبدو خياراً جذاباً للجميع بغض النظر عن الخبرة التقنية التي يمتلكونها. لقد رأينا الأمر مع PUBG Mobile، والتي اجتاحت العالم دون سابق تحذير متفوقة حتى على النسخة المنزلية من اللعبة ذاتها, في الحقيقة، لطالما بدى سوق الهواتف الذكية جذاباً لخبراء الرياضات الإلكترونية؛ سواءاً مع جائحة COVID-19 أو بدونها، والسوق الآسيوية أصبحت خير دليل على نجاح هذا التوجه.
عند تحليل السوق الآسيوية للرياضات الإلكترونية، فإنه ليس من الصعب رؤية أن القارة الصفراء هي الأرض الأكثر خصوبة عالمياً لألعاب الفيديو التنافسية. من كوريا الجنوبية التي تُعد تاريخياً مهد الرياضات الإلكترونية الحديثة وعاصمة ألعاب الفيديو الجماعية، إلى الصين صاحبة 350 مليون لاعب والعائدات الأضخم عالمياً، مروراً باليابان التي سجلت نمواً قُدر ب 13 ضعفاً في عام 2018 لعائدات الرياضات الإلكترونية عن العام الذي سبقه، فإنه من السهل رؤية أهمية هذا السوق لألعاب الفيديو التنافسية، دون التطرق حتى إلى جنوب شرق آسيا والدول الشرق أوسطية والتي بدأت بتبني هذا المجال بقوة.
لطالما شكل انتشار نوع معين من الأجهزة في تلك البلدان نوعاً من أنواع المحدودية حينما يأتي الأمر لمنافسات ألعاب الفيديو، فالصين على سبيل المثال لم تحظى بمنصات لعب مخصصة مثل البلايستيشن حتى وقت قريب، بينما يُعد الحاسب الشخصي الخيار الأقل تفضيلاً للاعبين في اليابان. هنا يأتي دور الهواتف الذكية بالنسبة لتلك البلدان، فكل ما يحتاجه المرء لدخول مجال الرياضات الإلكترونية هو هاتف ذكي متوسط المواصفات واتصال اعتيادي بالانترنت، ليصبح مؤهلاً بذلك لمقارعة محترفي العالم برمته، سواءاً كان متواجداً في منزله أو في رحلة لمكان ما، كون تلك الأجهزة محمولة عنى بأن اللاعب سيبقى متصلاً دائماً دون انقطاع عن التحديات.
تقرير تم نشره عام 2019 تحدث عن أكثر من 22 مليار تحميل لألعاب الهواتف الذكية. من بين هذه الألعاب، فإن عناويناً مثل PUBG Mobile، Fortnite Mobile، و Mobile Legends قد استعرضت لنا القدرة الهائلة لهذه الألعاب في الوصول لمئات الملايين من اللاعبين، متفوقة بذلك على تلك الأرقام التي نراها في عوالم المنصات المنزلية والحواسب الشخصية.
ما يميز ألعاب الهواتف الذكية التنافسية هو مقدار التطور الذي وصلت إليه في الأعوام القليلة الماضية. بالنظر إلى Vainglory على سبيل المثال، فإن ما تقدمه هذه اللعبة المستوحاة من عمالقة الحاسب الشخصي Dota 2 و League of Legends هو نظام لعب تنافسي معتبر تمكن من جلب تجربة MOBA إلى متناول أيدي الجميع (حرفياً). Arena of Valor، Mobile Legends، Clash Royale والمزيد هي أمثلة على ألعاب استراتيجية تم الاعتراف بها رسمياً كرياضات إلكترونية من منظمات مثل ESL.
وفقاً لتقرير أطلقته منظمة NIKO المختصة بأبحاث الرياضات الإلكترونية، فإن ألعاب الرياضات الإلكترونية للهواتف الذكية قد حصدت $19.5 مليار دولار من العائدات عام 2019 – %68 منها ($13.3 مليار) قادمة من القارة الآسيوية وحدها.
مع تواجد أكثر من 850 مليون لاعب للهواتف الذكية في الصين وجنوب شرق آسيا وحدها، فقد أصبح واضحاً بأن الرياضات الإلكترونية الآسيوية هي سوق ضخم ذو احتماليات لا تنتهي، والأمر ما يزال في بدايته. في 2017، أظهرت أبحاث IMF بأن %62 من التعداد السكاني لدول جنوب شرق آسيا يمتلك اتصالاً بالانترنت، وهو رقم ازداد إلى %70 في عام 2018، ومن المرتقب وصوله إلى أكثر من %90 بحلول عام 2021. وفقاً للتاريخ، فإن ازدياد قاعدة مستخدمي الإنترنت تتناسب طرداً مع زيادة لاعبي الفيديو، وهو ما يعني أخباراً إيجابية للسوق الآسيوية ككل.
إذاً، ماذا يحمل المستقبل لرياضات الهواتف الذكية؟ الكثير من الأنباء السارة حتماً. من ناحية الأجهزة المحمولة، بدأت شركات التصنيع مثل Asus، Huawei و Xiaomi بالتوجه إلى لاعبي الفيديو وحاجياتهم، بينما ستوفر شبكات 5G اتصال انترنت فائق السرعة وقليل التأخير لينقل المنافسات إلى المرحلة التالية. الأمر لن يقتصر فقط على ألعاب الهواتف الذكية، أيضاً، فبفضل نمو تقنية اللعب السحابي (Cloud Gaming) بدعم من كبريات الشركات مثل Sony و Microsoft، فلن تحتاج لامتلاك أية أجهزة مخصصة للعب العناوين المنزلية الضخمة، مما يرمم الهوة بين الموبايل والمنصات بشكل أكبر من أي وقت مضى.
غد الرياضات الإلكترونية المحمولة يبدو مبهراً حقاً، وسيترك أثراً لن تتلمسه فقط الدول الآسيوية ذات السوق العملاقة، بل كافة الدول الأخرى. في النهاية، لا وجود لفرق سواءاً كنت من لاعبي الهواتف الذكية أو المنصات، فبمجرد مشاركتك في هذا المجال المستقبلي فإنك تساهم في نشر ثقافة ألعاب الفيديو والرياضات الذهنية كأحد روادها العالميين، ممهداً الطريق لمستقبل أفضل للاعبي الغد.