مع إغلاق ستائر عام 2019 خلال ساعات قليلة، وجب علينا ذكر واحدة من أبرز تجارب عالم ألعاب الفيديو التي رأيناها على منصة PS4، ألا وهي Death Stranding. بعد عشرات الساعات في عالم اللعبة الخلاب، ها هو رأينا بصنيعة Kojima Productions الأحدث
حينما غادر عبقري عالم صناعة ألعاب الفيديو “هيديو كوجيما” شركة Konami أواخر عام 2015، ظن الجميع بأن الأمر قد انتهى للمخرج الياباني الفذ، بمن في ذلك هو نفسه، إلا أنه وبعد فترة من التوقعات عاد كوجيما للظهور من جديد كاشفاً عن شراكة جديدة مع Sony بحد ذاتها، ليسطر بذلك كلمات البداية لرحلته الجديدة، رحلة بدأها مع مشروعه الأول منذ MGSV، والمتمثل في اللعبة الجديدة والتجربة الشجاعة Death Stranding.
بافتتاحه لاستديو Kojima Productions من جديد بشكل مستقل، لا بد أن كوجيما أدرك بأن الكثير يعتمد على لعبته الأولى على الإطلاق منذ سلسلة Metal Gear Solid، ومع ذلك، فإن كمية المخاطرة التي قام المخرج الياباني باتخاذها تكاد تقارن بألعاب ال Indie التجريبية، ليأتي لنا بنمط جديد كلياً وغير مسبوق في عالم ألعاب AAA الضخمة، وهو أمر حصل على دعم Sony الكامل بإتاحة ميزانية ضخمة للعبة Death Stranding جعلتها واحدة من أضخم ألعاب منصة PS4 حتى الآن.
نحن لا نتحدث فقط عن حجم عالم اللعبة، والذي يُعد كبيراً حقاً، إلا أن الأمر يتفرع إلى جميع نواحي اللعبة من الرسوميات المذهلة عالية الدقة (والتي تسطع بوضوح على منصة PS4 Pro التي قمنا بتجربة اللعبة عليها) إلى صوتيات اللعبة المستندة لألحان عدة فرق موسيقية منها CHVRCHES، Apocalyptica و Major Lazer، مروراً بطاقم من الشخصيات المحبوبة التي يجسدها طاقم هوليوودي لم يسبق لنا أن رأينا له مثيل في عالم ألعاب الفيديو، مع أداء رائع لكل من Norman Reedus بدور Sam والنجم Mads Mikkelsen بدور Cliff.
على الرغم من كل تلك العبارات البراقة، إلا أن Death Stranding هي رحلة شخصية، رحلتك أنت كلاعب. ما يبدو في البداية على أنه لعبة “إيصال طلبات” كما يدعوها البعض سرعان ما تتحول إلى رحلة نفسية يضيع بها اللاعب في عالم اللعبة الخلاب والمدمر، متناولة مواضيع فلسفية حساسة، الحياة والموت، والطبيعة البشرية. تتحدث القصة عن عالم مستقبلي مظلم تلى حدث ضخم قام بتدمير الحضارات البشرية، حيث أصبحت الأمور الخارجة عن الطبيعة أمراً اعتاد رؤيته البشر المتفرقون حول الكرة الأرضية دون هدف موحد. دون أن نقوم بالتطرق إلى التفاصيل تجنباً إلى الحرق، قصة Death Stranding هي حتماً نجمة الحفل هنا، على الرغم من امتلاكها لبعض لحظات “كوجيما” الكوميدية المعتادة، والتي قد لا يُعجب بها الجميع.
من المؤكد بأن Death Stranding أثبتت كونها المثال الأكثر نجاحاً لعبارة “ليست للجميع” حينما صدرت أواخر عام 2019، فعلى الرغم من مديح أسماء مرموقة في عالم الألعاب لما قدمته اللعبة من أفكار جديدة تحدت المألوف، إلا أن أصوات اللعبة انقسمت ما بين محب للعبة وكاره لها، وهو أمر كنا قد توقعناه حينما تحدث مؤلفها الشهير عن كونها “لعبة من نوع جديد كلياً” قد لا تروق للجميع، وبالفعل، يبقى نظام اللعب هو الناحية الأكثر جدلاً في هذه التجربة.
قصة Sam Porter Bridges تتمحور حول إيصاله للطرود في مهمة لإعادة وصل المدن المتفرقة للولايات المتحدة الأميركية (أو المدن المتحدة كما تدعوها اللعبة)، لذا فقد استند كوجيما إلى نمط لعب مستند إلى فكرة “الوصل” أكثر من “الإبعاد”. ما يعنيه ذلك هو أنك ستقضي معظم وقتك في عالم اللعبة متنقلاً من مكان لآخر، مستخدماً الأدوات العدة التي يوفرها لك نظامها بما في ذلك الأدوات البدائية مثل السلالم، الحبال، والجسور، وأخرى أكثر تطوراً كالدراجة النارية والمعدات المستقبلية.
حينما تقوم بالتنقل في البيئة المحيطة، ستلاحظ بأن التركيز ينصب على توازن شخصية Sam مع زيادة حملها، لذا ستجد نفسك تقوم بزيارة قوائم اللعبة كثيراً بين الحين والآخر. لحسن الحظ، هناك إمكانية توزيع الحمل والوزن تلقائياً، لذا ليس عليك القلق كثيراً من تلك الناحية. إضافة لذلك، فإن مهمتك تصبح أكثر سهولة مع تقدمك باللعبة وامتلاكك للمزيد من المعدات التي تُسهل عليك مهمتك. على الرغم من أن ذلك قد لا يكون كافياً لإنعاش نمط اللعب المحوري الأساسي، إلا أن Death Stranding هي رحلة عليك خوضها بحلوها ومرها للحصول على التجربة الكاملة، تجربة ستكون شاكراً لاختبارها والنجاة منها مع الساعات الأخيرة الرائعة للعبة.
الحديث عن التنقل في Death Stranding لا يعني بأن رحلتك ستكون فارغة من الأخطار، فلعبة “كوجيما” الجديدة ما تزال لعبة فيديو في نهاية الأمر، لذا فإن الدفاع عن النفس مايزال حاضراً لمواجهة أعداء اللعبة المختلفين، والمتنوعين ما بين الدوريات الجوالة في عالم اللعبة، زعماء العالم الآخر، وأشباح BTs الخارجين عن الطبيعة. لكل نوع من تلك الأنواع طرائق مختلفة للتعامل معها، ففي حين أنك ستجد نفسك تقوم باستخدام بعض الأسلحة التقليدية والأفخاخ للهروب من دوريات الأعداء، ستُضطر للاعتماد على التسلل والحذر للهروب من BT، وذلك بمساعدة طفل BB المرتبط بك، والذي يُمثل بنفسه واحداً من أغرب أنظمة اللعبة المليئة بالغرابة من الأساس.
إن كان الاعتناء بطرودك يبدو مرهقاً لوحده، انتظر لتعرف بأنك ستلعب دور جليس الأطفال أيضاً من وقت لآخر عبر الاهتمام بطفل BB الخاص بك! الوظيفة الأساسية لطفل “Bridge Baby” هي تنبيهك من أخطار BT جنباً إلى جنب مع ماسح البيئة الخاص بك، إلا أنه يحتاج لبعض العناية الخاصة به مع بكائه إن قمت بعمل خطير كالقفز من ارتفاع عالٍ، فمهمة الحفاظ على مزاجه تقع على عاتقك تماماً. إنه نظام غريب للأطوار في البداية، إلا أن الأمر أقل إرهاقاً بكثير مما قد يبدو عليه، وزيادة ارتباطك بهذا الطفل ستكافئك حتماً، كما هو الأمر مع صبرك على الكثير من جوانب اللعبة المتعبة.
ما بين استخدام الأدوات المتفرقة للتنقل، قتال الأعداء ببندقيات الرش والقنابل المصنوعة من “سوائل جسد” Sam، والجلوس عبر مقاطع فيديو تستمر لبعض الأحيان لمدة تتجاوز العشرة دقائق، فإن Death Stranding قد استطاعت تقديم عدد من الأفكار الجديدة الذكية. مشكلتنا تكمن في كمية أهمية تلك الأفكار، والتي لربما لم تكن بالضرورية للتجربة الإجمالية للعبة. إضافة لذلك، فإن طريقة تقديم القصة ماتزال مقيدة بعناوين ألعاب الفيديو التي خرجت لنا العقد الماضي، والتي تعتمد على أساليب بدأت بإظهار قِدمها في جيل أتى لنا ب God of War، Last of Us والمزيد من الألعاب التي تدمج نمط اللعب بتلاوة القصة دون تفريق النظامين بشكل مستمر ما بين “مقطع شرح المهمة” ومن ثم المهمة ذاتها.
على الرغم من ذلك، فإن قصة Death Stranding بشخصياتها المنوعة والتي ستلتقيها عبر عالم اللعبة المصمم بإتقان هي بالجودة الكافية لجعلنا نتغاضى عن بعض الخيارات المتبعة في تقديمها، فالكثير من الشخصيات تجعلك تهتم بها وكأنها شخصيات من العالم الواقعي، وهو أمر يعود الفضل به إلى الأداء الممتاز لجميع من هم في طاقم التمثيل من Mads وحتى Emily O’Brien.
من الناحية التقنية، فإن لعبة Kojima Productions الأولى قد اختارت العمل على محرك Decima Engine المطور من قبل استديو Guerrilla Games الذي جلب لنا Horizon: Zero Dawn. كما هو الأمر في Horizon، فإن DS تبدو مذهلة بصرياً مع مستوى كبير من الواقعية، كما أن اللعبة تكاد لا تعاني من أية أخطاء تقنية عبر تجربتنا لها والتي استمرت لعشرات الساعات، حيث تظهر الحرفية في عمل الفريق بشكل مثالي لتأتي لنا اللعبة بأداء قوي عبر منصات PS4 المختلفة.
الأداء الصوتي رائع أيضاً بكافة تفاصيله، من التمثيل الصوتي لنجوم اللعبة، المؤثرات الصوتية، والألحان والأغاني المختارة بعناية من قبل الملحن Ludvig Forssell بصحبة عدة فرق مميزة. الألحان المفضلة لدينا هي تلك القادمة من فرقة Low Roar حتماً، والتي ساهمت بإعطاء التجربة جوها المميز الخارج عن المألوف والذي يعطي لكل رحلة تقوم بها نكهة لن تجدها في أي لعبة أخرى.
في النهاية، لا شك أن هيديو كوجيما قد نجح في تقديم تجربة مميزة جديدة تُضاف لقائمة أعماله المميزة. على الرغم من أنها قد لا تجد قاعدة معجبين بحجم سلسلة Metal Gear التي تميل لنمط الأكشن والتسلل الأكثر تقبلاً من قبل اللاعبين، إلا أن Death Stranding لا تقل أهمية عن سابقتها في وضع حجر الأساس لنمط جديد من ألعاب الفيديو لا يستند إلى العنف. هناك بعض النواحي التي وددنا بأن تكون أفضل، كتقديم القصة الذي قد يصيب البعض بالملل، قلة النشاطات الجانبية التي تستطيع القيام بها والتنويع في نمط اللعب، والساعات الأولى البطيئة للعبة، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فإن Death Stranding تستحق التجربة من البداية نحو النهاية، فهي رحلة ستكون شاكراً لتجربتها مع إنسدال قائمة ال Credits في خاتمتها.
صنيعة “كوجيما” الجديدة قد قدمت لنا نمطاً جديداً، العديد من الأفكار المميزة، وقصة معقدة وممتعة كما اعتدنا من ألعابه السابقة. لم نتطرق للحديث حتى عن نظام اللعب الجماعي، والمعتمد على مساعدة اللاعبين عبر ترك الأدوات لهم في عالم اللعبة المشترك والذي لا نستطيع تشبيهه لأي تجربة أخرى سوى ألعاب Dark Souls ربما. كل ذلك يجعل من DS تجربة جريئة تستحق الإشادة، وهي حتماً من أفضل ما لعبناه العام الحالي.
التقييم النهائي:
9/10
(تم تزويدنا برمز تفعيل خاص باللعبة من قبل بلايستيشن الشرق الأوسط، وتم لعب اللعبة عبر جهاز PS4 Pro)