في زمن تعد به ألعاب الفيديو من أهم محاور اقتصاد البلدان المتقدمة… منع و تحريم PUBG في البلدان العربية!
هي حملة غريبة من نوعها بدأت البلدان العربية بالتحضير لها، ألا وهي محاربة لعبة تخطت في شهرتها أبرز عناوين ألعاب الفيديو للسنوات العشرة الماضية. إن لم تكن تتخذ من صخرة منزلاً لك، فلا شك أنك تعلم عمن نتحدث هنا.. PlayerUnknown’s Battlegrounds أو PUBG اختصاراً (وهي أربعة أحرف نستغرب حقاً لرؤية من يخطئ بتهجئتها وتذكر كتابتها الصحيحة)
في وقت ما من العام الماضي، قامت شركة Bluehole المسؤولة عن إصدار PUBG الأساسي على الحواسب الشخصية (ولاحقاً الأكسبوكس) بتوقيع صفقة تعاونية مع Tencent، عملاقة ألعاب الفيديو والتواصل الاجتماعي الصينية. الهدف كان بسيطاً وشغوفاً، وهو بإصدار نسخة مبسطة للعبة الأونلاين الأشهر آنذاك لتصبح في متناول أيدي الجميع (حرفياً). ماحدث بعد ذلك كان أمر لم يتوقعه الكثيرون، وهو وصول شهرة اللعبة إلى كل حدب وصوب حول العالم ليعلم بها كبار السن قبل صغاره، ويُدمن على لعبها مئات الملايين من اللاعبين واللذين تجدهم يومياً في “بوشينكي”، المدينة الأشهر على خارطة اللعبة.
في حين أن تلك الشهرة أتت بتأثيراتها الإيجابية كإدخال مفهوم ألعاب الفيديو التنافسية إلى كل بيت وتوسيع القاعدة الجماهيرية المتقبلة لهذا النوع من التسلية، إلا أنها أيضاً أتت بأعراض جانبية سلبية كانت هي محور الانتقادات التي وضعتنا أمام الموقف الذي نعيشه اليوم، وهو سعي دول عربية بكاملها لمحاربة هذه “الظاهرة” التي باتت “تخرب” عقول الشباب، وتحرضهم على “العنف” في مجتمع لم يشهد سلاماً حقيقياً لربما منذ مئات السنوات.. أي قبل مدة طويلة من صدور “PUBG” وألعاب الفيديو ككل.
من جانب آخر، انتهت أحداث أكبر بطولة PUBG Mobile حول العالم منذ أيام قليلة، حيث تمكن فريق تايلاندي من رفع كأس البطولة في واحد من أبرز الأحداث إن لم يكن أبرزها لألعاب الفيديو التنافسية على الهواتف المحمولة. حدث كان لنا الشرف في eSports Middle East باستضافة تصفياته الخليجية باكراً الشهر الماضي حيث قابلنا مئات اللاعبين والفرق، والذين تشاركوا جميعهم تجربة مثيرة مليئة بالمرح والروح الرياضية، في حين تحاول جهات اعلامية وسياسية طلائهم على أنهم نوع من أنواع “المجرمين” المحتملين الذين تدربهم اللعبة.
هذا صحيح، فبعيداً عن البطولات العالمية ذات الجوائز التي بلغت $600,000 كانت هناك قرارات عربية محيرة في منع اللعبة وحظرها بالكامل، لتقوم كل من مصر، العراق، الأردن وسوريا بمنع اللاعبين من الاتصال بمخدمات اللعبة “لتحريضها على العنف والأذى”. ليس ذلك فحسب، بل وفوجئنا بخطاب لشيخ من خريجي الأزهر الشريف يحرم فيه اللعبة بالكامل، حيث قال بأن ممارستها تعد “حرام شرعاً” لما تسببه من عنف وأذى وإضاعة وقت للشباب.
ما بين تجريم وتحريم، علينا أن نتوقف قليلاً لننظر إلى ما يحدث هنا. لربما لا يقع اللوم على حكومات ولا على مؤسسات، لربما يكون السبب كامناً في حقيقة أن PUBG Mobile هي تجربة جديدة لم نشهد رواجاً بحجمها ربما على الإطلاق. Counter-Strike معروفة بين الشباب، نعم، لكن معرفتها قد لا تتعدى جلسة بين الأصدقاء في إحدى مقاهي الإنترنت منذ أعوام عديدة، ناهيك عن متطلبات المهارة العالية التي تفرضها اللعبة بطبيعتها التنافسية وصعوبتها. Counter-Strike: Global Offensive اتبعت نهج 1.6 و Source في كونها عديمة الشفقة والرحمة، ولهذا لم تجتذب الكم الكافي من الشهرة بين أطياف المجتمع، على الرغم من تصدرها قائمة Steam لأكثر الألعاب ممارسة حالياً مع أكثر من 600,000 لاعب في وقت واحد مع إطلاق نمط Battle Royale الجديد فيها.
ما علاقة Counter-Strike بحديثنا عن PUBG؟ في الحقيقة، هي اللعبة الأقرب من حيث الشهرة على الرغم من اتساع حجم الكوة بينهما، كما أنها تخدم مثالاً مثالياً لسبب انتشار PUBG كالنار في الهشيم: سهولة الوصول أو (Accessibility). لم يكتسب نمط Battle Royale المُمثل في اللعبة شهرته عن عبث، فعشوائيته الكبيرة هي أكبر نقاط تميزه حقاً. نحن هنا أمام لعبة يستطيع بها اللاعب التصدي لطلقة مثالية بواسطة مقلاة مربوطة إلى خصره، والفوز على 99 لاعب آخر بالتواجد في المكان المناسب في الوقت المناسب. لا شك أن الفوز في PUBG بحاجة لدرجة معينة من المهارة، إلا أنه بحاجة للكثير من الحظ أيضاً. في حين أن نخبة النخبة هم فقط من يستطيعون قلب الطاولة لمصلحتهم في المواقف الصعبة، إلا أن القسم الأكبر هو من يستمتع بدرجة العشوائية المتواجدة في اللعبة ولا يكترث حقاً للفوز. أضف إلى ذلك نظام Bots الذي يملئ شاشة لاعبي PUBG Mobile الجدد بلاعبين افتراضيين بعقول ميتة، لتصبح أمام لعبة تمتلك إمكانية تحويل شخص لم يقم بالإمساك بقبضة تحكم قط إلى لاعب سعيد يستمر بالعودة مجدداً ليشعر بنشوة تغلبه على فرصة %1 لنجاته بين الآخرين. أوه، هل ذكرنا بأنها متاحة أيضاً على أجهزة ذكية أصبحت بمتناول الكل دون تطلبها لأية تجهيزات خاصة منفصلة؟
مع توصلنا إلى جذور شهرة PUBG Mobile بين الجميع، يصبح الأمر بسيطاً حقاً ويمكن تلخيصه بثلاثة كلمات: الخوف من المجهول. هو شعور تم حبكه بشكل دقيق داخل النفس البشرية لحمايتها من الأخطار المحيطة، إلا أنه وكما جرى الأمر مع المضادات الحيوية في الكائنات الحية، غالباً ما يخطئ في تمييز ماهو خطر حقاً. يكمن الفارق بين العالمين الغربي والعربي في كيفية التعامل مع هذا الجسد المجهول. ففي حين أن الغرب يسارع لإقامة الدراسات المختلفة لتحديد تلك الظواهر الجديدة وكيفية التعامل معها بشكل مُرضي، نسارع نحن لمحاربتها بشتى الطرق والوسائل، مستخدمين كافة المنصات الممكنة للتحذير من مضارها وأخطارها دون التمعن بها، لنغرق أكثر في دوامة المؤامرات الغربية واستهدافهم لعقول شبابنا، علماً أن اللعبة لم يتم تصميمها حتى للجمهور العربي. بل في الحقيقة، ستحصل قريباً على قوائمها العربية الأولى مع مرور ما يقارب عام على صدورها، وهو أمر لم يكن ليرى النور لولا إقبال العرب عليها.
على الرغم من كل ذلك، لم يعد قرار المنع خياراً فعالاً حقاً. اللاعبون قد وجدوا بالفعل طرائق عدة لتجاوز الحظر عبر برامج VPN وغيرها. ما سيتحتم على الشركات والمؤسسات فعله الآن هو إما تقبل هذا النوع من التسلية الرقمية والتسليم له، أو احتضانه بالشكل المطلوب والبدء بالاستثمار في عالم الرياضات الإلكترونية، وهو عالم يستمر بالتضخم في كل دقيقة تمضي الآن. لربما على الدول العربية أن تخطو خطى الإمارات العربية المتحدة، والتي تطمح حالياً لبناء الملاعب والساحات المخصصة للرياضات الإلكترونية ومنافساتها لتكون عاصمة عالمية لهذا النوع من النشاطات. مع تشكيل أرباح ألعاب الفيديو لقسم هائل من اقتصاد دول أوروبية بأكملها مثل بولندا مع سلسلة The Witcher، نعتقد بأن البدء بهذا النوع من الاستثمارات هو الخيار الصائب هنا، وهو ما سيجعل الوطن العربي يقترب خطوة للحاق بركب التطور الرقمي المستقبلي.